الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
فإذا كاتب في مرضه عبدا لا يملك غيره ولم شيئاً من النجوم في حياة سيده فثلثه مكاتب فإذا أدى نجوم الثلث عتق وهل يزاد في الكتابة لكون التركة زادت بما أدى فيه خلاف مذكور في باب الكتابة فإن زيدت فطريق الحساب أن الكتابة تصح في شيء من العبد ويؤدي المكاتب عنه شيئاً والفرض فيما إذا كانت النجوم مثل القيمة فيحصل للورثة من الرقبة ومال الكتابة مثل عبد وذلك يعدل ضعف ما صحت فيه الكتابة وهو شيئان فالشىء نصف العبد فإذا أدى نجوم النصف عتق نصفه واسترد من الورثة كسب سدسه فيحصل للورثة نصف الرقبة ونصف النجوم وذلك ضعف ما صحت فيه الكتابة ولو كاتب في الصحة ثم أعتقه في المرض أو أبرأه عن النجوم نظر إن عجز نفسه عتق ثلثه ورق ثلثاه وإن استدام الكتابة فإن كانت النجوم مثل القيمة فوجهان: أصحهما يعتق ثلثه وتبقى الكتابة في ثلثيه. والثاني لا يعتق ثلثه حتى يسلم الثلثان للرثة إما بالعجز وإما بأداء نجوم الثلثين وإن كان بين النجوم والقيمة تفاوت فقد سبق أن المعتبر من الثلث أقل الأمرين فإن كانت النجوم أقل عتق ثلثه وسقط ثلث النجوم ويبقى للورثة ثلثا النجوم إن أدى وإلا فثلثا الرقبة وإن كانت الرقبة أقل بأن كانت مائة والنجوم مائتين حصل الدور فيقال عتق شيء وسقط من النجوم شيئان يبقى للورثة من النجوم مائتا درهم إلا شيئين وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان فيعد الجبر مائتان تعدلان أربعة أشياء فالشيء ربع المائتين وهو نصف العبد فعلمنا أن الذي عتق نصف العبد وأنه يسقط نصف النجوم قال الأستاذ فإن عجل ما عليه من النجوم عتق نصفه وإن لم يؤد شيئاً لم يحكم بعتق شيء ثم كلما أدى شيئاً حكم بعتق نصف ما أدى حتى يؤدي نصف الكتابة ويستوفي وصيته.
مسألة أعتق مريض عبدا لا يملك غيره ثم قتله السيد فهل ينفذ العتق في جميعه إذ لا تركة أم لا يعتق شيء منه لأنه لا يبقى للورثة ضعف المحكوم بعتقه فيه خلاف سبق في نظائره قال الأستاذ قياس مذهب الشافعي رحمه الله هو الثاني فإن ترك السيد مولا إذا قضيت الدية منه كان الباقي ضعف قيمته فهو حر وإن ترك من المال دون ذلك عتق بعضه ولزم السيد قسط ما عتق من الدية ولا يرث السيد من ديته لأنه قاتل بل إن كان له وارث أقرب من سيده فهي له وإلا فلأقرب عصبات السيد مثاله قيمته مائة وقيمة إبل الدية ثلثمائة ولو ترك السيد ثلثمائة فتقول عتق شيء وعلى السيد من الدية ثلاثة أمثاله وباقي العبد الذي بطل العتق فيه قد أتلفه بالقتل فلم يترك إلا ثلثمائة وهي مثل ثلاثة أعبد يقضى منها ما وجب من الدية ويبقى ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو شيئان فتجبر وتقابل فثلاثة أعبد تعدل خمسة أشياء فتقلب الاسم فالعبد خمسة والشيء ثلاثة يعتق منه ثلاثة أخماسه وهو ستون ويجب عليه ثلاثة أخماس الدية وهي مائة وثمانون يبقى مائة وعشرون ضعف ما عتق. مسألة أعتق المريض عبدا فجنى العبد على أجنبي بقطع أو قتل ولا للسيد غيره فإن كان أرش الجناية مثل قيمته فأكثر لم يعتق منه شيء لأن الأرش دين فيقدم على الوصية وإن كان دونها بأن كانت قيمته مائة والأرش خمسة وسبعين عتق شيء ورق الباقي والأرش يتوزع عليهما فحصة ما عتق يتعلق بذمة العبد وحصة مارق تؤدى منه إن أراد السيد التسليم والأرش ثلاثة أرباع القيمة فعلى السيد تسليم ثلاثة أرباع مارق وهو ثلاثة أرباع عبد إلا ثلاثة أرباع شيء يبقى مع ورثته ربع عبد إلا ربع شيء يعدل شيئين فبعد الجبر ربع عبد يعدل شيئين وربع شيء فتبسطها أرباعاً وتقلب الاسم فالعبد تسعة والشىء واحد فيعتق منه سبعة ويرق الباقي فيسلم في الجناية ثلاثة أرباعه وهي ستة أتساع يبقى مع الورثة تسعان ضعف ما عتق الطرف الخامس في مسائل العين والدين مقصوده أن يخلف الميت عينا ودينا على بعض الورثة أو على أجنبي فنصيب الوارث بعض ما عليه بالارث أو الأجنبي بعض ما عليه بوصية وأول ما نقدمه أن الميت إذا لم يخلف إلا دينا على بعض الورثة برىء من عليه من حصته ولا تتوقف براءته على توفير حصة الباقين لأن الملك جالارث لا يتأخر والإنسان لا يستحق على نفسه شيئاً ولو خلف عينا ودينا على بعض الورثة نظر إن كان الدين من غير جنس العين أو من غير نوعه قسمت العين بين الورثة فما أصاب من لا دين عليه دفع إليه وما أصاب المدين دفع إليه إن كان مقرا مليئا وإن كان جاحدا أو معسرا فالآخر مستحق ظفر بغير جنس حقه وحكمه مذكور في موضعه وإن كان الدين من نوع العين بأن خلف عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه الحائزين قال الأستاذ يأخذ من لا دين عليه العشرة نصفها إرثا ونصفها قصاصاً بما يصيبه من الدين وفي كيفية القصاص الخلاف المعروف قال الإمام هذا بعيد والخلاف إنما هو في تقاص الدينين لا في تقاص الدين والعين بل المذهب أن الارث يثبت شائعا في العين والدين وليس لمن لا دين عليه الاستبداد بالعشرة إن كان المدين مقرا مليئا فإن تراضيا أنشآ عقدا وإن كان جاحدا أو معسرا فله أن يأخذها على قصد التملك لأنه ظفر بجنس حقه المتعذر تحصيله ولو خلف دينا وعينا وأوصى بالدين لإنسان وهو ثلث ماله أو أقل فحقه منحصر فيه فما نض دفع إليه ولو أوصى بثلث الدين فوجهان أحدهما أن ما نض منه يضم إلى العين فإن كان مانض ثلث الجميع أو أقل دفع إلى الموصى له وأصحهما أنه كلما نض منه شيء دفع ثلثه إلى الموصى له وثلثاه إلى الورثة لأن الوصية شائعة في الدين إذا تقرر هذا فالدين المخلف مع العين من جنسه ونوعه إما أن يكون على وارث وإما على أجنبي وإما عليهما. أما القسم الأول على وارث فنصيبه من جملة التركة إما أن يكون مثل ما عليه من الدين وإما أكثر وإما أقل الحالة الأولى أن يكون مثله فتصحح المسألة ويطرح مما صحت منه نصيب المدين وتقسم العين على سهام الباقين ولا يدفع إلى المدين شيء ولا يؤخذ منه شيء مثاله زوج وثلاثة بنين وترك خمسة دينا على ابن وخمسة عشر عينا فجملة التركة عشرون نصيب كل ابن خمسة وما على المدين مثل نصيبه فتصحح المسألة من أربعة ويطرح منها نصيب ابن يبقى ثلاثة تقسم العين عليها نصيب كل واحد خمسة ونصيب المدين يقع قصاصا كذا أطلقوه وعلى هذا ينزل الجواب المطلق في جميع هذه المسائل. الحالة الثانية أن يكون نصيبه أكثر مما عليه فتقسم التركة بينهم فما أصاب المدين طرح منه ما عليه ويعطى الباقي من العين. الثالثة أن يكون نصيبه أقل فيطرح من المسألة نصيبه وتقسم العين على الباقي فما خرج من القسمة يضرب في نصيب المدين الذي طرح فما بلغ فهو الذي حيي من الدين والمراد بهذه اللفظة أن ما يقع في مقابلة العين من الدين كالمستوفى بالمقاصة فكأنه حيي من الدين ولولا المقاصة فالدين على المفلس ميت فائت ثم الباقي من الدين بعد الذي حيي يسقط منه شيء ويبقى شيء يؤديه المدين إلى سائر الورثة وطريق معرفة الساقط والباقي أن تقسم كل التركة بين الورثة فما أصاب المدين طرح مما عليه من الدين فما بقي فهو الذي يؤديه المدين فيقسمه سائر الورثة على ما بقي من سهام الفريضة بعد إسقاط نصيب المدين مثاله الدين في الصورة المذكورة ثمانية والعين اثنا عشر فسهام الفريضة أربعة يطرح منها نصيب المديون وتقسم العين على الباقي يخرج من القسمة أربعة تضربها في نصيب المدين وهو واحد يكون أربعة فذلك هو الذي حيي من الدين يبقى منه أربعة تأخذ منه نصيب المدين من التركة وهو خمسة تطرحها مما عليه يبقى ثلاثة فالثلاثة هي التي تبقى من الدين ويسقط واحد وتلك الثلاثة مقسومة على سهامهم مما صحت منه المسألة وهي ثلاثة هذا إذا لم يكن وصية فإن كانت بأن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما وأوصى بثلث ماله لزيد فوجهان أصحهما وينسب إلى ابن سريج وبه قطع الجمهور أننا ننظر إلى الفريضة الجامعة للوصية والميراث وهي ثلاثة للموصى له سهم ولكل ابن سهم فيأخذ المدين سهمه مما عليه ويقتسم الابن الآخر وزيد العين نصفين وقد حيي من الدين خمسة يبقى خمسة للمدين ثلاثة يبقى ثلاثة وثلث إذا أداها اقتسمها الابن الآخر وزيد نصفين والوجه الثاني وينسب إلى أبي ثور يأخذ الموصى له ثلث العين والابن الذي لا دين عليه يأخذ ثلثا إرثا والثلث قصاصا فيبرأ المدين من ثلثي الدين بالارث والمقاصة يبقى عليه ثلث الدين يأخذه الموصى له. القسم الثاني أن يكون الدين على أجنبي فينظر إن لم يكن وصية اشتركت الورثة في العين والدين وإن كانت فاما أن يكون لغير المدين وإما له وإما لهما فإن كانت لغيره بأن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على زيد وأوصى لعمرو بثلث ماله فالابنان وعمرو يقتسمون العين أثلاثا وكلما حصل من الدين شيء اقتسموه كذلك ولو قيد الوصية بثلث الدين اقتسم الابنان العين وأما الدين فقد ذكرنا فيه وجهين: أحدهما أن الحاصل منه الدين يضم إلى العين ويدفع ثلث الدين مما حصل إلى زيد ويسمى وجه الحصر لأنه حصر حق الموصى له فيما يتنجز من الدين وأصحهما أن ما يحصل من الدين يدفع إلى زيد ثلثه ويسمى وجه الشيوع وإن كانت الوصية للمدين نظر فيما يستحقه بالوصية أهو مثل الدين أم أقل أم أكثر ويقاس بما ذكرنا فيما إذا كان الدين على وارث وإن كانت الوصية لهما بأن أوصى والصورة ما سبق لعمرو بثلث العين ولزيد بما عليه ورد الابنان الوصيتين إلى الثلث فيكون الثلث بينهما على أربعة لعمرو سهم ولزيد ثلاثة فعلى قول ابن سريج الفريضة الجامعة من اثني عشر للوصيتين أربعة وللابنين ثمانية فيقتسم عمرو والابنان العين على قدر سهامهم وهي تسعة لعمرو سهم وتسع ولكل ابن أربعة وأربعة أتساع ويبرأ زيد من ثلاثة أرباع الثلث وهي خمسة دراهم يبقى عليه خمسة كلما أدى شيئاً كان بين عمرو والابنين على تسعة فيحصل لعمرو خمسة أتساع درهم فيتم له ربع الثلث وهو درهم وثلثان وللابنين الباقي ثم ليكن المصروف إلى عمرو عند خروج الدين من نفس العين إن كانت باقية وعلى الوجه المنسوب إلى أبي ثور لعمرو ربع الثلث وهو درهم وثلثان يأخذه من العين والباقي من العين للابنين فيبرأ الغريم من خمسة يبقى عليه خمسة إذا أداها اقتسمها الابنان ولو خلف ابنين وعشرين درهما عينا وعشرة دينا على رجل وأوصى للغريم بما عليه ولزيد بعشرة من العين ولم يجز الابنان ما زاد على الثلث فيجعل الثلث بينهما نصفين ثم عن ابن سريج رحمه الله وجهان أصحهما أن الفريضة الجامعة من ستة للوصيتين اثنان وللابنين أربعة فلزيد من العشرين أربعة ولكل ابن ثمانية ويبرأ الغريم عن نصف الثلث وهو خمسة يبقى عليه خمسة إذا حصل منها شيء جعل بينهم أخماسا حتى يتم لزيد خمسة ولكل ابن عشرة والثاني أنه يدفع إلى زيد من العين نصف وصيته وهو خمسة ويبرأ الغريم من نصف ما عليه وهو خمسة وللابنين باقي العين خمسة عشر ويقتصان باقي الدين وهو خمسة قال الإمام هذا الوجه على ضعفه يجري فيما سبق. القسم الثالث أن يكون الدين على وارث وأجنبي بأن ترك ابنين وعشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما وعشرة دينا على أجنبي وأوصى بثلث ماله فعلى قياس ابن سريج والجمهور الفريضة الجامعة من ثلاثة يجعل سهم المدين ما عليه ويقتسم الابن الآخر والموصى له العين نصفين وما حصل مما على الأجنبي اقتسماه نصفين وعلى الوجه الثاني يأخذ الموصى له ثلث العين والباقي للابن الذي لا دين عليه ويبرأ الابن المدين مما عليه وإذا حصل ما على الأجنبي أخذ الموصى له ثلثيه والابن الذي لا دين عليه ثلثه وبالله التوفيق.
يجوز الرجوع عن الوصية وعن بعضها كمن أوصى بعبد ثم رجع عن نصفه ويجوز الرجوع في كل تبرع معلق بالموت كقوله إذا مت فلفلان كذا أو فادفعوا إليه أو فاعتقوا عبدي أو فهو وقف وفي الرجوع عن التدبير صريحا خلاف يذكر في بابه إن شاء الله تعالى ولا يصح الرجوع عن التبرعات المنجزة في مرض الموت.
أن يقول نقضت وصيتي أو أبطلتها أو أو رفعتها أو فسختها أو رجعت عنها ولو سئل عن الوصية فأنكرها فهو رجوع ولو قال لا أدري فليس برجوع ولو قال هو حرام على الموصى له فرجوع على المذهب ولو قال هذا لوارثي بعد موتي أو هو ميراث عني فرجوع ولو قال هو تركتي فليس برجوع على الأصح ومنها إزالة الملك عن الموصى به ببيع أو إعتاق أو صداق أو جعله أجرة أو عوض خلع فهو رجوع والهبة مع الاقباض رجوع ودونه أيضاً على الأصح والرهن كالهبة وقيل ليس برجوع لأنه لا يزيل الملك فأشبه الاستخدام والكتابة رجوع والتدبير رجوع على المذهب وقيل إن جعلناه وصية فهو كما لو أوصى به لزيد ثم عمرو فيكون نصفه مدبرا ولو أوصى بالبيع أو غيره مما هو رجوع فالصحيح المنصوص أنه رجوع وقيل هو كما لو أوصى لزيد ثم عمرو وذكر صاحب المعتمد الوجهين فيما لو أوصى بعبد لرجل ثم أوصى بعتقه ففي وجه يعتق وتبطل الوصية الأولى وفي وجه يعتق نصفه ويدفع إلى الموصى له نصفه ولو أوصى بعتقه ثم أوصى به لرجل فالقياس أنه يصرف إلى الموصى له على الأول وأن ينصف على الثاني لكنه قال أحدهما يتعين العتق وتبطل الوصية الثانية والثاني التنصيف والتوكيل بالتصرفات المذكورة كالوصية بها والاستيلاد رجوع ولو أقر بأن العبد الموصى به مغصوب أو حر الأصل أو قال كنت أعتقته قال الأستاذ أبو منصور تبطل الوصية وذكر أنه لو باعه ثم فسخ بخيار المجلس فإن قلنا الملك يزول بنفس العقد حصل الرجوع وإن قلنا يحصل بانقطاع الخيار فلا ولك أن تقول هو على كل حال أقوى من الرهن والهبة قبل القبض فإذا كان الأصح فيهما حصول الرجوع فهنا أولى وتعليق العتق رجوع قاله العبادي في الرقم ويشبه أن يجيء فيه الخلاف فيما لا يزيل الملك. فرع أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو فوجهان: أحدهما أنه رجوع عن الأولى فتصح وصية عمرو كما لو وهب لزيد مالا ثم وهبه قبل القبض لعمرو والصحيح المنصوص أنه ليس برجوع لاحتمال إرادة التشريك فيشرك بينهما كما لو قال دفعة واحدة أوصيت لكما قال الأصحاب ولو قال أوصيت به لكما فرد أحدهما لم يكن للآخر إلا نصفه لأنه لم يوجب له إلا النصف ولو أوصى به لزيد ثم أوصى به لعمرو فرد أحدهما كان للآخر الجميع ولو أوصى به لأحدهما ثم أوصى بنصفه للآخر فإن قبلاه فثلثاه للأول وثلثه للثاني وإن رد الأول فنصفه للثاني وإن رد الثاني فكله للأول. فرع قال الذي أوصيت به لزيد قد أوصيت به لعمرو أو قال لك بالعبد الذي أوصيت به لزيد فهو رجوع على الصحيح لإشعاره به وقيل ليس برجوع كالصورة السابقة والفرق على الصحيح أن هناك يجوز أنه نسي الوصية الأولى فاستصحبناها بقدر الإمكان وهنا بخلافه ولو أوصى ببيعه وصرف ثمنه إلى الفقراء ثم قال بيعوه واصرفوا ثمنه إلى الرقاب جعل الثمن بين الجهتين لأن الوصيتين متفقتان على البيع وأن الزحمة في الثمن ولو أوصى له بدار أو بخاتم ثم أوصى بأبنية الدار أو بفص الخاتم لآخر فالدار والخاتم للأول والأبنية والفص بينهما تفريعا على الصحيح المنصوص ولو أوصى له بدار ثم أوصى لآخر بسكناها أو بعبد ثم أوصى بخدمته لآخر نقل الأستاذ أبو منصور أن الرقبة للأول والمنفعة للثاني وكان يحتمل أن يشتركا في المنفعة فرع هذا كله في الوصية بمعين فإذا أوصى بثلث ماله ثم تصرف ما يملكه ببيع أو إعتاق أو غيرهما لم يكن رجوعا وكذلك لو هلك جميع ماله لم تبطل الوصية لأن ثلث المال مطلقا لا يختص بما عنده من المال حال الوصية بل المعتبر ما يملكه عند الموت زاد أم نقص أم تبدل فرع التوسل إلى أمر يحصل به الرجوع كالعرض على البيع والهبة رجوع على الأصح ويجري الوجهان في مجرد الإيجاب في الرهن والهبة والبيع. فرع أوصى بحنطة فطحنها أو جعلها سويقا أو بذرها أو بدقيق فعجنه بطلت الوصية وكان ما أتى به رجوعا لمعنيين أحدهما زوال الاسم والثاني إشعاره بإعراضه عن الوصية ونسب الشيخ أبو حامد المعنى الأول إلى الشافعي رحمه الله والثاني إلى أبي إسحاق فلو حصلت هذه الأحوال بغير إذن الموصي فقياس المعنى الأول بطلان الوصية وقياس الثاني بقاؤها ونقل بعضهم وجهين في بعضها والباقي ملحق به وألحقوا بهذه الصور ما إذا أوصى بشاة فذبحها أو بعجين فخبزه لكن خبز العجين ينبغي أن لا يلحق بعجن الدقيق فإن العجين يفسد لو ترك فلعله قصد إصلاحه وحفظه على الموصى له وألحق العبادي في الرقم بها ما إذا أوصى بجلد فدبغه أو بيض فأحضنه دجاجة ولك أن تقول قياس المعنى الأول أن لا يكون الدبغ رجوعا لبقاء الاسم وكذا الاحضان إلى أن يتفرخ ولو أوصى بخبز فجعله فتيتا فرجوع على الأصح كما لو ثرده ويجري الوجهان فيما لو أوصى بلحم ثم قدده ولو طبخه أو شواه فرجوع قطعاً ولو أوصى برطب فتمره فوجهان الأشبه أنه ليس برجوع وكذا تقديد اللحم إذا تعرض للفساد ولو أوصى بقطن فغزله فرجوع أو بغزل فنسجه فرجوع على الصحيح ولو حشا بالقطن فراشا أو جبة فرجوع على الأصح. فرع أوصى بدار فهدمها حتى بطل اسم الدار فهو رجوع في وكذا في العرصة على الأصحولو انهدمت بطلت الوصية في النقض على الصحيح لزوال اسم الدار وتبقى في العرصة على الصحيح لأنه لم يوجد منه فعل وإن كان الانهدام بحيث لا يبطل اسم الدار بقيت الوصية فيما بقي بحاله وفي المنفصل وجهان: وإذا قلنا في الانهدام تبطل الوصية في النقض فكان الانهدام بعد الموت وقبل القبول فطريقان أحدهما تخريجه على أقوال الملك وأصحهما القطع بأنه للموصى له لأن الوصية تستقر بالموت وكان اسم الدار باقيا يومئذ. فرع أوصى بثوب فقطعه قميصا أو صبغه فرجوع على الأصح وغسله ليس ولو قصره وقلنا القصارة أثر فكالغسل وإن قلنا عين فكالصبغ ولو أوصى بثوب مقطوع فخاطه فليس برجوع واتخاذ الباب من الخشب الموصى به كاتخاذ القميص من الثوب. فرع أوصى بشيء ثم نقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد على الأصح ويشبه أن يكون الخلاف مخصوصا بما إذا أشعر التبعيد بتغير القصد فأما إذا أوصى صحيح البدن بدابة ثم أركبها غلامه أو حمل عليها إلى مكان بعيد فلا إشعار. فرع أوصى بصاع حنطة بعينه ثم خلطه بحنطة فرجوع قال أبو زيد إن خلطه بأجود فرجوع وإلا فلا والأول هو الصحيح المنصوص ولو أوصى بصاع من صبرة ثم خلطها بمثلها فليس برجوع لأن الموصى به كان مخلوطا شائعا فلا تضر زيادة الخلط وإن خلط بأجود فرجوع وبالأردإ ليس برجوع على الأصح ولو اختلطت بنفسها بالأجود فعلى الخلاف السابق في نظائره وإذا أبقينا الوصية فالزيادة الحاصلة بالجودة غير متميزة فتدخل في الوصية ولو أوصى بصاع من حنطة ولم يعين الصاع ولا وصف الحنطة فلا أثر للخلط ويعطيه الوارث مما شاء من حنطة التركة ولو وصفها وقال من حنطتي فرع أوصى بمنفعة عبد أو دار سنة ثم أجر الموصى به سنة مات بعد انقضاء مدة الإجارة فالوصية بحالها وإن مات قبله فوجهان: أصحهما أنه إن انقضت مدة الإجارة قبل سنة من يوم الموت كانت المنفعة بقية السنة للموصى له وتبطل الوصية فيما مضى وإن انقضت بعد سنة من يوم الموت بطلت الوصية لأن المستحق للموصى له منفعة السنة الأولى فإذا انصرفت إلى جهة بطلت الوصية والثاني أنه يستأنف للموصى له سنة من يوم انقضاء الإجارة فإن كان الموصي قيد وصيته بالسنة الأولى وجب أنه لا يجيء الخلاف ولو لم يسلم الوارث حتى انقضت سنة بلا عذر فمقتضى الوجه الأول أنه يغرم قيمة المنفعة ومقتضى الثاني تسليم سنة أخرى. فرع تزويج العبد والأمة الموصى بهما وإجارتهما وختانهما وتعليمهما والإعارة والإذن في ليس برجوع ووطء الجارية مع العزل ليس برجوع وكذا مع الإنزال على الصحيح وقول الأكثرين وقال ابن الحداد رجوع. فرع أوصى بعرصة ثم زرعها فليس برجوع كلبس الثوب ولو بنى فيها أو غرس فرجوع على الأصح فإن لم نجعله رجوعا فموضع البناء والغراس هل هو كالبياض المتخلل حتى يأخذه الموصى له إن زال البناء والغراس ومطلق عمارة الدار ليس برجوع فإن بطل الاسم بأن جعلها خانا فرجوع وإن لم يبطل ولكن أحدث فيها بناء وبابا من عنده فعلى الوجهين فيما لو بنى في الأرض فإن لم نجعله رجوعا فالبناء الجديد لا يدخل في الوصية على الصحيح.
وإن أطلق إحداهما حملت المطلقة على المعينة وكذا لو أطلقها لم يكن له إلا مائة ولو أوصى بخمسين ثم بمائة فله مائة ولو أوصى بمائة ثم بخمسين فوجهان: أصحهما ليس له إلا خمسون والثاني له مائة وخمسون.
الوصاية مستحبة في رد المظالم وقضاء الديون وتنفيذ الوصايا وأمور الأطفال قلت هي في رد المظالم وقضاء الديون التي يعجز عنها في الحال واجبة فإن لم يوص إلى أحد نصب القاضي من يقوم بها وأغرب الأستاذ أبو منصور فحكى وجها أنه إذا كان في الورثة رشيد قام بهذه الأمور وإن لم ينصبه القاضي. وللوصاية أركان وأحكام أما أركانها فأربعة: الركن الأول الوصي وله خمسة شروط وهي التكليف والحرية والإسلام والعدالة والكفاية في التصرفات فالصبي والمجنون ومن بعضه رقيق والمكاتب والمدبر وأم الولد لا تصح الوصية إليهم وفي مستولدته مدبره خلاف مبني على أن صفات الوصي تعتبر حالة الوصاية والموت أم حالة الموت ولا ججوز وصاية مسلم إلى ذمي ويجوز عكسه وتجوز وصاية الذمي إلى الذمي على الأصح بشرط العدالة في دينه ولا تجوز إلى فاسق ولا إلى عاجز عن التصرف لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو غيرهما هذا هو الصحيح وربما دل كلام بعض الأصحاب على أن هذا الشرط الأخير غير معتبر وتجوز الوصاية إلى أعمى على الأصح وقيل لا فتكون الشروط ستة. وزاد الروياني وآخرون شرطا سابعا وهو أن لا يكون الوصي عدوا للطفل الذي يفوض أمره إليه وحصروا الشروط كلها بلفظ مختصر فقالوا ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل وكل ما اعتبر من الشروط ففي وقت اعتباره ثلاثة أوجه: أصحها يعتبر حاله عند الموت. والثاني عند الوصاية والموت جميعاً. والثالث يعتبر في الحالتين وفيما بينهما. فرع لا يشترط في الوصي الذكورة بل يجوز التفويض إلى المرأة حصلت الشروط في أم الأطفال فهي أولى من غيرها وحكى الحناطي فرع إذا تغير حال الوصي فإن كان قبل موت الموصي بني على متى تعتبر وإن تغير بعد موته نظر إن فسق إما بتعد في المال وإما بسبب آخر بطلت ولايته وقيل لا تبطل حتى يعزله الحاكم والصحيح الأول وبه قطع الجمهور وفي معناه قيم القاضي وفي بطلان ولاية القاضي بالفسق وجهان: أصحهما البطلان. والثاني لا كالإمام الأعظم. والأب والجد إذا فسقا انتزع الحاكم مال الطفل منهما ولا تبطل ولاية الإمام الأعظم بالفسق لتعلق المصالح الكلية بولايته بل تجوز ولاية الفاسق ابتداء إذا دعت إليها ضرورة لكن لو أمكن الاستبدال به إذا فسق من غير فتنة استبدل وفيه وجه أنها تبطل أيضاً وبه قطع الماوردي في الأحكام السلطانية والصحيح الأول وإذا تاب الفاسق وصلحت حاله فهل تعود ولايته أما الوصي والقيم فلا تعود ولايتهما على الصحيح والأب والجد تعود ولايتهما والقاضي كالوصي وإذا كان الوصي قد أتلف مالا لم يبرأ عن ضمانه حتى يدفعه إلى الحاكم ثم يرده الحاكم إليه إن ولاه فإن كان أبا قبض المضمون من نفسه لولده وليس من التعدي أكل الأب والوصي مال الطفل لضرورة لكن إذا وجب الضمان فطريق البراءة ما ذكرنا. قال القفال لكن رد المغصوب والعواري والودائع وقضاء الديون من جنسها في التركة لا ينقض لأن أخذ المستحق فيها كاف. فرع إذا جن الموصي أو أغمي عليه أقام الحاكم غيره مقامه فإن أفاق فهل يبقى على ولايته كالاب والجد والإمام الأعظم إذا أفاقوا أم تبطل لأنه يلي بالتفويض كالتوكيل بخلاف الاب وبخلاف الإمام للمصلحة الكلية فيه وجهان: أصحهما الثاني ويجريان في القاضي إذا أفاق وإذا أفاق الإمام الأعظم بعدما ولي غيره فالولاية للثاني إلا أن تثور فتنة فهي للأول ذكره البغوي. فرع لو اختلت كفاية الوصي بأن ضعف عن الكتابة والحساب أو ساء لكبر أو مرض ضم القاضي إليه من يعينه ويرشده ولو عرض ذلك لقيم القاضي عزله لأنه الذي ولاه الركن الثاني الموصي فإن كانت الوصاية في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا صحت من كل حر مكلف وإن كانت في أمور الأطفال اشترط مع ذلك أن يكون للموصي ولاية على الموصى في حقه من الصبيان والمجانين اتتداء من الشرع لا بتفويض وفيه مسائل إحداها أن الوصي هل يوصي فيه صور إحداها ليس للموصي في الوصاية المطلقة أن يوصي الثانية قال أوصيت إليك إلى أن يبلغ ابني فلان أو يقدم من سفره فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي أو قال أوصيت إليك سنة وبعدها وصيي فلان فالمذهب صحته وبه قطع الجمهور وتحتمل الوصية التعليق كما تحتمل الجهالات والأخطار وحكى الحناطي وآخرون فيه خلافا كتعليق الوكالة وبالمنع أجاب الروياني فقال لو قال إذا مت فقد أوصيت إليك لا يجوز بخلاف قوله أوصيت إليك إذا مت ولو قال أوصيت إليك فإذا حضرك الموت فقد أوصيت إلى من أوصيت إليه أو فوصيك وصيي فباطلة على الأظهر. وقيل قطعاً وقيل صحيحة قطعا. الثالثة أوصى إلى زيد وأذن له في الوصاية نظر إن لم يعين بل قال أوص بتركتي إلى من شئت فأوصى بها إلى شخص صح على الأظهر وقيل قطعاً وإن عين فقال أوص بها إلى فلان فكذلك وقيل تصح قطعاً لأنه قطع اجتهاده فصار كقوله أوصيت بعده إلى فلان. فرع لو أطلق فقال أوص إلى من شئت أو إلى فلان ولم فهل يحمل على الوصاية عنه حتى يجيء فيه الخلاف أم يقطع بأنه لا يوصي عنه فيه وجهان حكاهما البغوي وقال الأصح الثاني المسألة الثانية لا يجوز نصب وصي على الأولاد البالغين العقلاء لأنه لا يلي أمرهم وأما المجانين فتجوز الوصاية في أمرهم كالصبيان وله نصب الوصي لقضاء الدين والوصايا وإذا نصبه لذلك لم يتمكن من إلزام الورثة تسليم التركة لتباع في الدين بل لهم إمساكها وقضاء الدين من مالهم فلو امتنعوا من التسليم والقضاء من عندهم ألزمهم أحد الأمرين هذا إذا أطلق الوصاية بقضاء الدين فإن قال ادفع هذا العبد إليه عوضا عن دينه فينبغي أن لا يكون للورثة إمساكه لأن في أعيان الأموال أغراضا ولو قال بعه واقض الدين من ثمنه فيجوز أن لا يكون لهم الامساك أيضاً لأنه قد يكون أطيب. المسألة الثالثة لا يجوز للأب نصب الوصي في حياة الجد على الصحيح لأن ولايته ثابتة شرعا كولاية التزويج هذا في أمر الأطفال فأما في قضاء الديون والوصايا فله ذلك وكون الوصي أولى من الجد ولو لم ينصب وصيا فأبوه أولى بقضاء الدين وأمر الأطفال والحاكم أولى بتنفيذ الوصايا كذا نقله البغوي وغيره. الرابعة ليس لغير الأب والجد الوصاية في أمر الأطفال ولا للأم إلا على قول الاصطخري في أنها تلي فتوصي. الركن الثالث الموصى فيه وهو التصرفات المالية المباحة فيدخل فيه الوصاية بقضاء الديون وتنفذ في الوصايا وأمور الأطفال ولا تجوز في تزويج الأطفال ولا في معصية كبناء كنيسة وكتب التوراة وذكر طائفة منهم الإمام أن الوصاية لا تجري في رد المغصوب والودائع ولا في الوصية بعين لمعين لأنها مستحقة بأعيانها فيأخذها أصحابها وإنما يوصي فيما يحتاج إلى نظر واجتهاد كالوصية للفقراء وهذا الذي قالوه موضع توقف نقلا ومعني أما النقل فما سيأتي في بقية الباب وفي كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى حيث قالوا إن أوصى إلى فاسق ضمن وأما المعنى فلأنه قد يخاف خيانة الوارث الركن الرابع الصيغة فلا بد في الوصاية من الإيجاب بأن يقول أوصيت إليك أو فوضت أو أقمتك مقامي ونحو ذلك ويجوز فيها التوقيت كما سبق من جواز التعليق وذلك كقوله أوصيت إليك سنة أو إلى أن يبلغ ابني فلان أو أوصى إلى زوجته إلى أن تتزوج وأما القبول فالمذهب اشتراطه وأشار بعضهم إلى خلاف فيه وهل يقوم عمل الوصي مقام لفظ قبوله وجهان: وكل هذا مأخوذ من الوكالة ولا يشترط القبول في حياة الموصي فلو قيل في حياته لم يعتد به على الأصح كما لو أوصى بمال يشترط القبول بعد الموت وقيل يعتد به كما لو وكله بعمل يتأخر يصح القبول في الحال والرد في حياة الوصي على هذين الوجهين: فعلى الأول لو رد في حياته ثم قبل بعد موته جاز ولو رد بعد الموت لغت الوصاية. إن فصل فقال أوصيت إليك في قضاء ديوني وتنفيذ وصاياتي والتصرف في أموال أطفالي والقيام بمصالحهم أو ذكر بعض هذه الأعمال فذاك وإن اقتصر على قوله أوصيت إليك أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي ولم يذكر التصرف فثلاثة أوجه: أصحها له التصرف والحفظ اعتمادا على العرف والثاني ليس له إلا الحفظ تنزيلا على الأقل والثالث لا تصح الوصاية حتى يبين ما فوضه إليه ولو اقتصر على قوله أوصيت إليك فباطلة قطعا. فرع اعتقل لسانه فأوصى بالإشارة المفهمة لو اعتقل لسانه فأوصى بالإشارة المفهمة أو قرىء عليه كتاب فأشار برأسه أن نعم صحت الوصاية كالأخرس. فرع أوصى إليه في تصرف لا يتعداه فرع يجوز أن يوصي إلى اثنين فصاعدا وأن يوصي إلى واحد وينصب مشرفا ولا يتصرف الوصي إلا بإذنه ثم إذا أوصى إلى اثنين إن كانت في رد الودائع أو الغصوب والعواري وتنفيذ الوصية المعينة وقضاء الدين الذي في التركة من جنسه فلكل منهما الانفراد به لأن صاحب الحق مستقل في هذه الصور بالأخذ هكذا نقل البغوي وغيره وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بجريان الوصاية في رد الغصوب والعواري خلاف ما قالته تلك الطائفة ثم وقوع المدفوع موقعه وعدم الرد والنقص عند انفراد أحدهما بين لكن تجويز الانفراد ليس ببين فإن تصرفهما في هذه الأموال مستفاد بالوصاية فليكن بحسبها ولتجيء فيه الأحوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في سائر التصرفات وستجد في كلام الأصحاب ما هو كالصريح فيما ذكرتي وإن كانت الوصاية في تفرقة الثلث وأمور الأطفال والتصرف في أموالهم فلها أحوال أحدها أن يثبت الاستقلال لكل واحد فيقول أوصيت إليكما أو إلى كل منكما أو يقول كل واحد واحد منكما وصيي في كذا قال أبو الفرج الزاز أو يقول أنتما وصياي في كذا فلكل منهما الانفراد بالتصرف وإذا مات أحدهما أو جن أو فسق أو لم يقبل الوصاية كان للآخر الانفراد وإن ضعف نظر أحدهما فللآخر الانفراد وللحاكم أن يضم إلى ضعيف النظر من يعينه الثاني أن يشترط اجتماعهما على التصرف فليس لواحد منهما الانفراد فإن انفرد لم ينفذ البيع والشذاء والاعتاق ويضمن ما أنفق فإن مات أحدهما أو جن أو فسق أو غاب أو لم يقبل الوصية نصب الحاكم بدلا عنه ليتصرف مع الآخر وهل له إثبات الاستبداد للآخر وجهان: قال إمام الحرمين وليس المراد من اجتماعهما على التصرف تلفظهما بصيغ العقود معا بل المراد صدوره عن رأيهما ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو غيرهما بإذنهما الثالث أن يطلق قوله أوصيت إليكما فهو كالتقييد بالاجتماع لأنه المتيقن.
لم يكن ثم إن قبلا فهما شريكان وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف على الصحيح وبه قطع المتولي وقال البغوي ينفرد وهو ضعيف ولو قبل أحدهما فقط انفرد بالتصرف ولو قال لعمرو ما أوصيت به إلى زيد قد أوصيت به إليك فهو رجوع ولو قال لزيد ضممت إليك عمرا أو قال لعمرو ضممتك إلى زيد فإن قبل عمرو دون زيد لم ينفرد بالتصرف بل يضم القاضي إليه أمينا وينبغي أن يجيء في استقلاله الوجهان وإن قبل زيد دون عمرو فالذي ذكره الغزالي والمتولي أنه ينفرد بالتصرف وفيه نظر وإن قبلا جميعاً فقال الغزالي هما شريكان ويشبه أن يقال زيد وصيي وعمرو مشرف. فرع أوصى إلى شخصين فاختلفا في التصرف نظر إن كانا مستقلين وقال كل واحد أنا أتصرف حكى الشيخ أبو حامد أنه يقسم فيتصرف كل واحد في نصفه فإن كان مما لا ينقسم ترك بينهما حتى يتصرفا فيه وقال غيره لا حاصل لهذا الاختلاف ومن سبق نفذ تصرفه وإن لم يكونا مستقلين أمرهما الحاكم بما رآه مصلحة فإن امتنع أحدهما ضم القاضي إلى الآخر أمينا وإن امتنعا أقام مقامهما أمينين ولا ينعزلان بالاختلاف بل الآخران نائبان عنهما وإن اختلفا في تعيين من يصرف إليه من الفقراء عين القاضي من يراه وإن اختلفا في الحفظ قسم ولكل واحد التصرف فيما في يده ويد صاحبه وقيل إن لم يكونا مستقلين لم ينفرد أحدهما بحفظ شيء والصحيح المنصوص الذي عليه الجمهور أنه لا فرق ثم إذا قسم وتنازعا في عين النصف المحفوظ أقرع على الأصح وقيل يعين القاضي هذا إذا كان المتاع منقسما وإلا فيحفظانه معا بجعله في بيت يقفلانه أو برضاهما بنائب يحفظه من جهتهما وإلا فيتولى القاضي حفظه وكذا لو كان منقسما وقلنا لا ينقسم عند عدم الاستقلال ثم ذكر البغوي أن هذا التفصيل فيما إذا جعل إليهما التصرف واختلفا في الحفظ إلى التصرف فأما إذا جعل الحفظ إلى اثنين فلا ينفرد أحدهما بحال.
فمنها الجواز فللموصي الرجوع متى شاء وللموصي عزل نفسه متى شاء قلت إلا أن يتعين عليه أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره والله أعلم. ومنها أن الوصي يقضي الديون التي على الصبي من الغرامات والزكوات وكفارة القتل وفي الكفارة وجه لأنها ليست على الفور وينفق عليه وعلى من عليه نفقته ولينفق بالمعروف وهو ترك الإسراف والتقتير فإن أسرف ضمن الزيادة ويشتري له الخادم عند الحاجة إذا كان مثله يخدم. فرع إذا بلغ الصبي ونازعه في أصل الانفاق صدق الوصي بيمينه ولو قال أسرفت في الانفاق فإن كان بعد تعيينهما قدرا نظر فيه وصدق من يقتضي الحال تصديقه وإن لم يعينا فالمصدق الوصي على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى البغوي عن بعضهم فيه وجهين وهذا على غرابته يجيء في أصل الانفاق. فرع ادعى أن الوصي خان في بيع ماله فباعه بلا حاجة ولا خلاف قدمناه في باب الحجر والمذهب أن القول قول المدعي. تنازعا في تاريخ موت أبيه فقال من خمس سنين فقال: واتفقا على إنفاقه من يوم الموت لم يقبل قول الوصي على الأصح. فرع ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ لا يقبل بغير بينة عليه. فرع يقبل قول الوصي في التلف بالغصب والسرقة. فرع قيم الحاكم كالوصي فيما ذكرناه والمجنون بعد إفاقته كالصبي.
استمرت ولاية الصبي كما سبق في باب الحجر ثم إن رأى أن يدفع إلى المبذر نفقة أسبوع أسبوع فعل فإن لم يثق به دفعها إليه يوماً يوما ويكسوه كسوة مثله فإن كان يخرقها هدده فإن لم يمتنع اقتصر في البيت على إزار وإذا خرج كساه وجعل عليه رقيبا.
وإن ذكره الموصي ولا بيع مال الصبي ولا عكسه ولا بيع مال صبي لصبي وتجوز شهادة الوصي على الأطفال ولا تجوز شهادته لهم بمال وإن كان وصيا في تفرقة الثلث فقط لأنه يثبت لنفسه ولاية ويجوز لمن هو وصي في مال معين أن يشهد بغيره.
يجوز للوصي أن يوكل فيما لم تجر العادة لمثله ولا يجوز أن يبيع شيئاً من مال كبار الورثة بغير إذنهم وإذا أوصى بثلث ماله وليس له إلا عبد لم يبع الوصي إلا ثلثه ولو كان الوصي والصبي شريكين لم يستقل بالقسمة سواء قلنا هي بيع أو إفراز وفي فتاوى القفال ليس له خلط حنطته بحنطة الصبي ولا دراهمه بدراهمه وقول الله تعالى وإن تخالطوهم محمول على ما لا بد منه للإرفاق وهو خلط الدقيق بالدقيق واللحم باللحم للطبخ ونحوه ولا يلزم الوصي الأشهاد في بيع مال اليتيم على الأصح وفي الجرجانيات لأبي العباس الروياني وجهان في أن الولي لو فسق قبل انبرام البيع هل يبطل البيع ووجهان في أن الوصاية هل تنعقد بلفظ الولاية كقوله وليتك كذا بعد موتي ويجوز للوصي أن يدفع مال اليتيم مضاربة إلى من يتصرف في البلد ويجوز إلى من يسافر به إذا جوزنا المسافرة به عند أمن الطريق وهو الأصح كما سبق في الحجر ولو أوصى إلى الله تعالى وإلى زيد فقياس ما سبق فيما إذا أوصى لله تعالى ولزيد مجيء وجهين: أحدهما أن الوصاية إلى زيد والثاني إلى زيد والحاكم ولو أوصى بشيء لرجل لم يذكره وقال قد سميته لوصيي فللورثة أن لا يصدقوه وفي شرح أدب القاضي لأبي عاصم العبادي أنه لو قال سميته لوصيي زيد وعمرو فعينا رجلا استحقه وإن اختلفا في التعيين فهل تبطل الوصية أم يحلف كل منهما مع شاهده قولان وفي الزيادات لأبي عاصم أنه لو خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال فله أن يؤدي شيئاً لتخليصه والله يعلم المفسد من المصلح وفي فتاوى القفال أنه لو أوصى إلى رجل فقال بع أرضي الفلانية واشتر من ثمنها رقبة فاعتقها عني وأحج عني واشتر مائة رطل خبز فأطعمها الفقراء فباع الأرض بعشرة وكان لا توجد رقبة إلا بعشرة ولا يحج إلا بعشرة ولا يباع الخبز بأقل من خمسة فتوزع العشرة عليها خمسة أسهم ولا يحصل الإعتاق والحج بحصتهما فيضم إلى حصة الخبز تمام الخمسة فينفذ فيه الوصية ويرد الباقي على الورثة كما لو أوصى لكل واحد من زيد وعمرو بعشرة وكان ثلاثة عشر فرد أحدهما دفعت العشرة إلى الآخر ولو قال اشتر من ثلثي رقبة فاعتقها وأحج عني واحتاج كل منهما إلى عشرة فإن قلنا يقدم العتق صرفت العشرة إليه وإلا فينبغي أن يقرع بينهما ولا يوزع إذ لو وزع لم يحصل واحد كتاب الوديعة هي المال الموضوع عند أجنبي ليحفظه واستودعته الوديعة استحفظته إياها ومن أودع وديعة يعجز عن حفظها حرم عليه قبولها وإن كان قادرا لكن لا يثق بأمانة نفسه فهل يحرم قبولها أم يكره وجهان وإن قدر ووثق بأمانة نفسه استحب القبول فإن لم يكن هناك غيره فقد أطلق مطلقون أنه يتعين عليه القبول وهو محمول على ما بينه السرخسي في الأمالي وهو أنه يجب أصل القبول دون أن يتلف منفعة نفسه وحرزه في الحفظ من غير عوض. فرع لا يصح إيداع الخمر ونحوها
أركانه كأركانها أربعة الحفظ والعاقدان والصيغة فلا بد من صيغة من المودع دالة على الاستحفاظ كقوله استودعتك هذا المال أو أودعتك أو استحفظتك أو أنبتك في حفظه أو احفظه أو هو وديعة عندك أو ما في معناها وفي اشتراط القبول باللفظ ثلاثة أوجه: أصحها لا يشترط بل يكفي القبض في العقار والمنقول والثاني يشترط والثالث يشترط إن كان بصيغة عقد كأودعتك ولا يشترط إن قال احفظه أو هو وديعة عندك ولو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا فقطع الروياني في الحلية بالجواز والقياس تخريجه على الخلاف في تعليق الوكالة ولو جاء بماله ووضعه بين يدي غيره ولم يتلفظ بشيء لم يحصل الإيداع فلو قبضه الموضوع عنده ضمنه وكذا لو كان قد قال قبل ذلك أريد أن أودعك ثم جاء بالمال فإن قال هذا وديعتي عندك أو احفظه ووضعه بين يديه فإن أخذه الموضوع عنده تمت الوديعة إن لم يشترط القبول لفظا وإن لم يأخذه نظر إن لم يتلفظ لم يكن وديعة حتى لو ذهب وتركه فلا ضمان عليه لكن يأثم إن كان ذهابه بعدما غاب المالك وإن قال قبلت أو ضعه فوضعه كان إيداعا كما لو قبضه بيده كذا قال البغوي وقال المتولي لا يكون وديعة ما لم يقبضه وفي فتاوى الغزالي أنه إن كان الموضع في يده فقال ضعه دخل المال في يده لحصوله في الموضع الذي هو في يده وإن لم يكن بأن قال انظر إلى متاعي في دكاني فقال نعم لم يكن وديعة وعلى الأول لو ذهب الموضوع عنده وتركه فإن كان المالك حاضرا بعد فهو رد للوديعة وإن غاب المالك ضمنه.
فلو أودع صبي أو مجنون مالا لم يقبله فإن قبله ضمنه ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى الناظر في أمره لكن لو خاف هلاكه في يده فأخذه على وجه الحسبة صونا له لم يضمنه على الأصح. ولا يصح الإيداع إلا عند جائز التصرف فلو أودع مالا عند صبي فتلف لم يضمنه إذ ليس عليه حفظه فهو كما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ فتلف وإن أتلفه الصبي فقولان ويقال وجهان: أحدهما لا ضمان لان المالك سلطه عليه فصار كما لو باعه أو أقرضه وأقبضه فأتلفه فلا ضمان قطعاً وأظهرهما يضمن كما لو أتلف مال غيره من غير استحفاظ ولا تسليط على الإتلاف هنا بخلاف البيع والقرض ولو أودع ماله عند عبد فتلف عنده فلا ضمان وإن أتلفه فهل يتعلق الضمان برقبته كما لو أتلف ابتداء أم بذمته كما لو باعه فيه الخلاف المذكور في الصبي وإيداع السفيه والإيداع عنده كإيداع الصبي والإيداع عنده. فرع استنبطوه من الخلاف المذكور في الصبي والعبد أصلا في الباب وهو ولم يتعلق برقبة العبد وإن قلنا إذن فبالعكس وخرجوا عليه ولد الجارية المودعة ونتاج البهيمة إن قلنا عقد فالولد وديعة كالأم وإلا فليس بوديعة بل أمانة شرعية في يده يجب ردها في الحال حتى لو لم يؤد مع التمكن ضمن على الأصح كذا قاله البغوي وقال المتولي إن قلنا عقد لم يكن وديعة بل أمانة اعتبارا بعقد الرهن والإجارة وإلا فهل يتعدى حكم الأم إلى الولد كالأضحية أم لا كالعارية وجهان والموافق لاطلاق الجمهور كون الوديعة عقدا.
هي ثلاثة أحدها الجواز من الجانبين وتنفسخ بموت أحدهما أو جنونه أو إغمائه ولو عزل المودع نفسه ففي انعزاله وجهان بناء على أن الوديعة إذن أم عقد إن قلنا إذن فالعزل لغو كما لو أذن للضيفان في أكل طعامه فقال بعضهم عزلت نفسي يلغو قوله وله الأكل بالإذن السابق فعلى هذا تبقى الوديعة بحالها وإن قلنا عقد انفسخت وبقي المال في يده أمانة شرعية كالريح تطير الثوب إلى داره فعليه الرد عند التمكن وإن لم يطلب على الأصح فإن لم يفعل ضمن الحكم الثاني أنها أمانة فلا يضمن إلا عند التقصير وأسباب التقصير تسعة أحدها أن يودعها المودع عند غيره بلا عذر من غير إذن المالك فيضمن سواء أودع عند عبده وزوجته وابنه أو أجنبي والكلام في تضمين المالك المودع الثاني قد سبق في بابي الرهن والغصب وإن أودعها عند القاضي فوجهان سواء كان المالك حاضرا أو غائبا أصحهما عند الجمهور يضمن فإن جوزنا الدفع إلى القاضي لم يجب عليه القبول إن كان المالك حاضرا والدفع عليه متيسرا وإن لم يكن كذلك لزمه القبول على الأصح لأنه نائب الغائبين وإذا حمل الغاصب المغصوب إلى القاضي ففي وجوب القبول الوجهان لكن هذا أولى بالمنع ليبقى مضمونا للمالك ومن عليه دين لو حمله إلى القاضي نظر إن كان بحيث لا يجب على المالك قبوله فالقاضي أولى وإلا فوجهان وأولى بالمنع وهو الأصح لأن الدين في الذمة لا يتعرض للتلف وإذا تعين تعرض له وجميع ما ذكرناه هو فيما إذا استحفظ غيره وأزال يده ونظره عن الوديعة أما إذا استعان به في حملها إلى الحرز فلا بأس كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها قال القفال وكذا لو كانت خزانته وخزانة ابنه واحدة فدفعها إلى ابنه ليضعها في الخزانة وذكر الإمام أن المودع إذا أراد الخروج لحاجاته فاستحفظ من يثق به من متصليه وكان يلاحظ المخزن في عوداته فلا بأس وإن فوض الحفظ إلى بعضهم ولم يلاحظ الوديعة أصلا ففيه تردد وإن كان المخزن خارجا عن داره التي يأوي إليها وكان لا يلاحظه فالظاهر تضمينه. فرع هذا الذي ذكرناه إذا لم يكن عذر فإن كان بأن أراد سفرا فينبغي أن يردها إلى مالكها أو وكيله فإن تعذر وصوله إليهما دفعها إلى القاضي وعليه قبولها فإن لم يجد قاضيا دفعها إلى أمين ولا يكلف تأخير السفر فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو أمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله ضمن ويجيء في هذا الخلاف السابق وإن دفع إلى أمين مع القدرة على الحاكم ضمن على المذهب ولو دفن الوديعة عند سفره ضمن إن دفنها في غير حرزه أو في حرز ولم يعلم بها أمينا أو أعلمه حيث لا يجوز الإيداع عند الأمين أو حيث يجوز إلا أن الذي أعلمه لا يسكن الموضع فإن سكنه لم يضمن على الأصح كذا فصله الجمهور وجعل الإمام في معنى السكنى أن يراقبها من الجوانب أو من فوق مراقبة الحارس وقيل إن الاعلام كالايداع سواء سكن الموضع أم لا ونقل صاحب المعتمد وغيره وجهين في أن سبيل هذا الإعلام سبيل الإشهاد أم الإئتمان أصحهما الثاني فعلى الأول لا بد من إعلام رجلين أو رجل وامرأتين وكما يجوز الايداع بعذر السفر كما تبين فكذا سائر الاعذار كما إذا وقع في البقعة حريق أو نهب أو غارة أو خاف الغرق وليكن في معناها إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزا ينقلها إليه السبب الثاني السفر بها فإذا أودع حاضرا لم يجز أن يسافر بها فإن فعل ضمن وقي لا يضمن إذا كان الطريق امنا أو سافر في البحر والغالب فيه السلامة والصحيح الأول ولو سافر بها لعذر بأن جلا أهل البلد أو وقع حريق أو غارة فلا ضمان بشرط أن يعجز عن ردها إلى المالك ووكيله والحاكم وعن ايداع أمين ويلزمه السفر بها في هذه الحالة وإلا فهو مضيع ولو عزم على السفر في وقت السلامة وعجز عن المالك ووكيله والحاكم والأمين فسافر بها لم يضمن على الأصح عند الجمهور لئلا ينقطع عن مصالحه وينفر الناس عن قبول الودائع وشرط الجواز أن يكون الطريق امنا وإلا فيضمن وهذا ظاهر في مسألة الوجهين فأما عند الحريق ونحوه فكان يجوز أن يقال إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر فله السفر بها قال في الرقم وإذا كان الطريق آمنا فحدث خوف أقام ولو هجم قطاع الطريق فألقى المال في مضيعة إخفاء له فضاع ضمن. فرع إذا أودع مسافراً فسافر بالوديعة أو منتجعا فانتجع بها فلا ضمان لأن المالك رضي حين أودعه. السبب الثالث: ترك الايصاء فإذا مرض المودع مرضا مخوفا أو حبس للقتل لزمه أن يوصي بها فإن سكت عنها ضمن لأنه عرضها للفوات إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه والمراد بالوصية الإعلام والأمر بالرد من غير أن يخرجها من يده وهو مخير في هذه الحالة بين الإيداع أحدها أن يعجز عن الرد إلى المالك أو وكيله وحينئذ يودع عند الحاكم أو يوصي إليه فإن عجز فيودع عند أمين أو يوصي إليه كذا رتب الجمهور كما إذا أراد السفر وفي التهذيب أنه يكفيه الوصية وإن أمكن الرد إلى المالك لأنه لا يدري متى يموت الثاني أن يوصي إلى أمين فإذا أوصى إلى فاسق كان كما لو لم يوص فيضمن ولا بأس بأن يوصي إلى بعض ورثته وكذا الإيداع حيث يجوز أن يودع أمينا الثالث: أن يبين الوديعة ويميزها عن غيرها بإشارة إليها أو ببيان جنسها وصفتها فلو لم يبين الجنس بل قال عندي وديعة فهو كما لو لم يوص. فرع لو ذكر الجنس فقال عندي ثوب لفلان نظر إن لم يوجد ثوب فهل يضمن وجهان: أصحهما عند جماهير الأصحاب يضمن لتقصيره في البيان فيضارب صاحب الوديعة بقيمتها مع الغرماء وإن وجد في تركته أثواب ضمن قطعاً لأنه إذا لم يميز فكأنه خلط الوديعة وإن وجد ثوب واحد ضمن أيضاً على الأصح ولا يدفع إليه الثوب الموجود وقيل يتعين الثوب الموجود وبه قطع البغوي والمتولي وفي أصل المسألة وجه أنه إنما يضمن إذا قال عندي ثوب لفلان وذكر معه ما يقتضي الضمان فرع قال الإمام إذا لم يوص أصلا فادعى صاحب الوديعة أنه قصر الورثة لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير فالظاهر براءة الذمة. فرع جميع ما ذكرناه إذا تمكن من الإيداع أو الوصية فإن بأن قتل غيلة أو مات فجأة فلا ضمان. فرع إذا مات ولم يذكر أن عنده وديعة فوجد في تركته كيس غير مختوم مكتوب عليه وديعة فلان أو وجد في جريدته لفلان عندي كذا وديعة لم يلزم الورثة التسليم بهذا لاحتمال أنه كتب هو أو غيره تلبيسا أو اشترى الكيس وعليه الكتابة فلم يمحها أو رد الوديعة بعد كتابتها في الجريدة ولم يمحها وإنما يلزم التسليم بإقراره أو إقرار المورث ووصية أو بينة السبب الرابع نقلها فإذا أودعه في قرية فنقل الوديعة إلى قرية أخرى فإن كان بينهما مسافة القصر ضمن وكذا إن كان بينهما ما يسمى سفرا على الصحيح وإن لم يسم سفرا ضمن إن كان فيها خوف أو كانت المنقول عنها أحرز وإلا فلا على الأصح وحيث منعنا النقل فذاك إذا لم يكن ضرورة فإن وقعت ضرورة فكما ذكرنا في المسافرة وإذا أراد الانتقال بلا ضرورة فالطريق ما سبق فيما إذا أراد السفر والنقل من محلة إلى محلة أو من دار إلى دار كالنقل من قرية إلى قرية متصلتي العمارة فإن كانت المنقول عنها أحرز ضمن وإلا فلا ولو نقل من بيت إلى بيت في دار واحدة أو خان واحد فلا ضمان وإن كان الأول أحرز منهما كان الثاني حرزا أيضاً قاله البغوي وجميع مسائل الفصل فيما إذا أطلق الإيداع فأما إذا أمر بالحفظ في موضع معين فسنذكره إن شاء الله تعالى. السبب الخامس التقصير في دفع المهلكات فيجب على المودع دفع المهلكات على المعتاد فلو أودعه فله أحوال أحدها أن يأمره بالعلف والسقي فعليه رعاية المأمور فإن امتنع حتى مضت مدة يموت مثلها في مثلها فإن ماتت ضمنها وإلا فقد دخلت في ضمانه وإن نقصت ضمن نصفها وتختلف المدة بإختلاف الحيوانات وإن ماتت قبل مضي هذه المدة لم يضمن إن لم يكن بها جوع وعطش سابق وإن كان وهو عالم به ضمن وإلا فلا على الأصح فإن ضمناه فيضمن الجميع أم بالقسط وجهان كما لو استأجر بهيمة فحملها أكثر مما شرط الثانية أن ينهاه عن العلف والسقي فيعصي إن ضيعها لحرمة الروح والصحيح الذي قاله الجمهور أنه لا ضمان وضمنه الاصطخري الثالثة أن لا يأمره ولا ينهاه فيلزم القيام بهما لأنه التزم حفظها ثم الكلام في أمرين: أحدهما المودع لا يلزمه العلف من ماله فإن دفع إليه المالك علفها فذاك ولو قال اعلفها من مالك فهو كقوله اقض ديني والأصح الرجوع عليه فإن لم يذكر شيئاً راجع المالك أو وكيله ليستردها أو يعطي علفها فإن لم يظفر بهما رفع الأمر إلى الحاكم ليقترض عليه أو يبيع جزءا منها أو يؤجرها ويصرف الأجرة في مؤنتها والقول فيه وفي تفاريعه كما سبق في هرب الجمال وعلف الضالة ونفقة اللقيط ونحوها الأمر الثاني إن علفها وسقاها في داره أو اصطبله حيث تعلف وتسقى دوابه فقد وفى بالحفظ وإن أخرجها من الموضع فإن كان يفعل كذلك مع دوابه لضيق وغيره فلا ضمان وإن كان ليسقي دوابه فيه فقد قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وإن أخرجها إلى غير داره وهو يسقي في داره ضمن وقال الاصطخري بظاهره وأطلق وجوب الضمان وقالت طائفة هذا إذا كان الموضع أحرز فإن تساويا فلا ضمان وقال أبو إسحاق وآخرون هذا إذا كان في الإخراج خوف فإن لم يكن لم يضمن لإطراد العادة وهذا هو الأصح ثم إن تولى السقي والعلف بنفسه أو أمر به صاحبه وغلامه وهو حاضر لم تزل يده فذاك وإن بعثها على يد صاحبه ليسقيها أو أمره بعلفها وأخرجها من يده فإن لم يكن صاحبها أمينا ضمن وإلا فلا على الأصح للعادة قال في الوسيط والوجهان فيمن يتولى بنفسه في العادة فأما غيره فلا يضمن قطعاً. إذا كان النهي عن العلف لعلة تقتضيه كالقولنج فعلفها قبل زوال العلة فماتت ضمن فرع العبد المودوع كالبهيمة في الأحوال المذكورة ولو أودعه نخيلا فوجهان: أحدهما سقيها كسقي الدابة. والثاني لا يضمن بترك السقي إذا لم يأمره به. فرع ثياب الصوف التي يفسدها الدود يجب على المودع نشرها وتعريضها للريح بل يلزمه لبسها إذا لم يندفع إلا بأن تلبس وتعبق بها رائحة الآدمي فإن لم يفعل ففسدت ضمن سواء أمره المالك أو سكت فإن نهاه عنه فامتنع حتى فسدت كره ولا يضمن وأشار في التتمة إلى أنه يجيء فيه وجه الاصطخري ولو كان الثوب في صندوق مقفل ففتح القفل ليخرجه وينشره قال البغوي لا يضمن على الأصح هذا كله إذا علم المودع فإن لم يعلم بأن كان في صندوق أو كيس مشدود ولم يعلمه المالك فلا ضمان. السبب السادس الانتفاع فالتعدي باستعمال الوديعة والإنتفاع بها كلبس الثوب وركوب الدابة خيانة مضمنة فإن كان هناك عذر بأن لبس لدفع الدود كما سبق أو ركب الدابة حيث يجوز إخراجها للسقي وكانت لا تنقاد إلا بالركوب فلا ضمان وإن انقادت من غير ركوب فركب ضمن ولو أخذ الدراهم ليصرفها إلى حاجته أو الثوب ليلبسه أو أخرج الدابة ليركبها ثم لم يستعمل ضمن لأن الإخراج على هذا القصد خيانة ولو نوى الأخذ لنفسه فلم يأخذ لم يضمن على الصحيح وقول الأكثرين وضمنه ابن سريج ويجري الخلاف فيما لو نوى أن لا يرد الوديعة بعد طلب المالك وقيل يضمن هنا قطعاً لأنه يصير ممسكا لنفسه قاله القاضي أبو حامد والماوردي ويجري الوجهان فيما إذا كان الثوب في صندوق غير مقفل فرفع رأسه ليأخذ الثوب ويلبسه ثم بدا له ولو كان الصندوق مقفلا والكيس مختوما ففتح القفل وفض الختم ولم يأخذ ما فيه فوجهان: أحدهما لا يضمن ما فيه وانما يضمن الختم الذي تصرف فيه. وأصحهما يضمن ما فيه لأنه هتك الحرز وعلى هذا ففي ضمان الكيس والصندوق وجهان لأنه لم يقصد الخيانة في الظرف ولو خرق الكيس نظر إن كان الخرق تحت موضع الختم فهو كفض الختم وإن كاق فوقه لم يضمن إلا نقصان الخرق ولو أودعه شيئاً مدفونا فنبشه فهو كفض الختم ولا يلتحق بالفض وفتح القفل حل الخيط الذي يشد به رأس الكيس أو رزمة الثياب لأن القصد منه المنع من الانتشار لا أن يكون مكتوما عنه وعن الحاوي وجهان فيما إذا كانت عنده دراهم فوزنها أودعها أو ثياب فذرعها ليعرف طولها أنه هل يضمن ويشبه أن يجيء هذا الخلاف في حل الشد قلت ليس هو مثله والله أعلم. فرع إذا صارت الوديعة مضمونة على المودع بانتفاع أو إخراج من الحرز أو غيرهما من وجوه التقصير ثم ترك الخيانة ورد الوديعة إلى مكانها لم يبرأ ولم تعد أمانته فلو ردها إلى المالك ثم أودعه ثانيا فلا شك في عود أمانته فلو لم يردها بل أحدث له المالك استئمانا فقال أذنت لك في حفظها أو أودعتكها أو استأمنتك أو أبرأتك من الضمان فوجهان: ويجوز أن يقال قولان أصحهما يصير أمينا ويبرأ ولو قال في الابتداء أودعتك فإن خنت ثم تركت الخيانة عدت أمينا لي فخان ثم ترك الخيانة قال المتولي لا يعود أمينا بلا خلاف لأنه إسقاط ما لم يجب وتعليق للوديعة. فرع قال خذ هذه وديعة يوماً وغير وديعة يوماً فهو وديعة أبدا ولو قال وديعة يوماً وعارية يوماً فهو وديعة في اليوم الأول وعارية في اليوم الثاني ثم لا تعود وديعة أبدا حكاه الروياني في كتابه البحر
وفقد التمييز ضمن وإن خلطها بمال آخر للمالك ضمن أيضاً على الأصح لأنه خيانة ولو أودعه دراهم فأنفق منها درهما ثم رد مثله إلى موضعه لا يبرأ من ضمانه ولا يملكه المالك إلا بالدفع إليه ثم إن كان المردود غير متميز عن الباقي صار الجميع مضمونا لخلطه الوديعة بمال نفسه فإن تميز فالباقي غير مضمون وإن لم ينفق الدرهم المأخوذ ورده بعينه لم يبرأ من ضمان ذلك الدرهم ولا يصير الباقي مضمونا عليه إن تميز ذلك الدرهم عن غيره وإلا فوجهان: ويقال قولان أحدهما يصير الباقي مضمونا لخلطه المضمون بغيره وأصحهما لا لأن هذا الخلط كان حاصلا قبل الأخذ فعلى هذا لو كانت الجملة عشرة فتلفت لم يلزمه إلا درهم ولو تلفت خمسة لزمه نصف درهم هذا كله إذا لم يكن على الدراهم ختم ولا قفل أو كان وقلنا مجرد الفتح والفض لا يقتضي الضمان أما إذا قلنا يقتضيه وهو الأصح فبالفض والفتح يضمن الجميع. فرع إذا أتلف بعض الوديعة ولم يكن له اتصال بالباقي كأحد الثوبين لم يضمن إلا المتلف وإن كان له اتصال كتحريق الثوب وقطع طرف العبد والبهيمة نظر إن كان عاملا فهو جان على الكل فيضمن الجميع وإن كان مخطئا ضمن المتلف ولا يضمن الباقي على الأصح السبب السابع المخالفة في الحفظ فإذا أمره بحفظها على وجه مخصوص فعدل إلى وجه آخر وتلفت فإن كان التلف بسبب الجهة المعدول إليها ضمن وكانت المخالفة تقصيرا وإن تلفت بسبب آخر فلا ضمان هذه جملة السبب ولتفصيلها صور إحداها أودعه مالا في صندوق وقال لا ترقد فرقد عليه نظر إن خالف بالرقود بأن انكسر رأس الصندوق بثقله أو تلف ما فيه ضمن وإلا فإن كان في بيت محرز أو في صحراء فأخذه لص فلا ضمان على الصحيح لأنه زاده خيرا وإن كان في صحراء وأخذه لص من جانب الصندوق ضمن على الأصح وإنما يظهر هذا إذا سرق من جانب لو لم يرقد عليه لرقد هناك وقد تعرض بعضهم لهذا القيد ولو قال لا تقفل عليه فأقفل أو لا تقفل إلا قفلا فأقفل قفلين أو لا تغلق باب البيت فأغلقه فلا ضمان على الصحيح. ولو أمره بدفنها في بيته وقال لا تبن فبنى فهو كما لو قال لا ترقد عليه فرقد ثم هو عند الاسترداد منقوص غير مغروم على المالك كما لو نقل الوديعة عند الضرورة لا يرجع بالأجرة على المالك لأنه متطوع نص عليه في عيون المسائل الصورة الثانية أودعه دراهم أو غيرها وقال اربطها في كمك فأمسكها نقل المزني أنه لا ضمان ونقل الربيع أنه يضمن وللأصحاب ثلاثة طرق أحدها إطلاق قولين والثاني أنه إن لم يربطها في الكم واقتصر على الإمساك ضمن وإن أمسك باليد بعد الربط لم يضمن والثالث وهو أصحها إن تلفت بأخذ غاصب فلا ضمان لان اليد أحرز بالنسبة إليه وإن سقطت بنوم أو نسيان ضمن لإنها لو كانت مربوطة لم تضع بهذا السبب فالتلف حصل بالمخالفة ولفظ النص في عيون المسائل مصرح بهذا التفصيل. ولو لم يربطها في الكم وجعلها في جيبه لم يضمن لأنه أحرز إلا إذا كان واسعا غير مزرور وفي وجه ضعيف يضمن بالعكس يضمن قطعاً أما إذا امتثل فربطها في كمه فلا يكلف معه الإمساك باليد ثم ينظر إن جعل الخيط الرابط خارج الكم فأخذها الطرار ضمن لأن فيه إظهار الوديعة وتنبيه الطرار لأنه أسهل عليه في قطعه وحله وإن ضاع بالإسترسال وانحلال العقدة لم يضمن إذا كان قد احتاط في الربط لأنها إذا انحلت بقيت الدراهم في الكم وإن جعل الخيط الرابط داخل الكم انعكس الحكم فإن أخذها الطرار لم يضمن وإن ضاعت بالإسترسال ضمن لأن العقدة إذا انحلت تناثرت الدراهم هكذا قاله الأصحاب وهو مشكل لأن المأمور به مطلق الربط فإذا أتى به وجب أن لا ينظر إلى جهات التلف بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فحصل به التلف. فرع لو أودعه دراهم في سوق أو طريق ولم يقل اربطها في في يدك فربطها في الكم وأمسكها باليد فقد بالغ في الحفظ وكذا لو جعلها في جيبه وهو ضيق أو واسع مزرور فإن كان واسعا غير مزرور ضمن لسهولة تناولها باليد ولو أمسكها بيده ولم يربطها لم يضمن إن تلفت بأخذ غاصب ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم فلو ربطها ولم يمسكها بيده فقياس ما سبق أن ينظر إلى كيفية الربط وجهة التلف ولو وضعها في الكم ولم يربطها فسقطت فإن كانت خفيفة لا يشعر بها ضمن لتفريطه في الإحراز وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمن ذكره في المهذب وقياس هذا يلزم طرده فيما سبق من صور الاسترسال كلها ولو وضعها في كور عمامته ولم يشد ضمن. فرع أودعه في سوق وقال احفظها في بيتك فينبغي أن يمضي إلى ويحفظها فيه فإن أخر من غير عذر ضمن وإن أودعه في البيت وقال احفظها في البيت فربطها في الكم وخرج بها صارت مضمونة عليه وكذا لو لم يخرج بها وربطها في الكم مع إمكان إحرازها في الصندوق ونحوه وإن كان ذلك لقفل تعذر فتحه ونحوه لم يضمن قال في المعتمد وإن شدها في عضده وخرج بها فإن كان الشد مما يلي الأضلاع لم يضمن لأنه أحرز من البيت وإن كان من الجانب الآخر ضمن لأن البيت أحرز منه وفي تقييدهم الصورة بما إذا قال احفظها في البيت إشعار بأنه لو أودعه في البيت ولم يقل شيئاً يجوز له أن يخرج بها مربوطة ويشبه أن يكون الرجوع إلى العادة. الصورة الثالثة إذا عين للوديعة مكانا فقال احفظها في هذا البيت أو في هذه الدار فأما أن يقتصر عليه وإما أن ينهاه مع ذلك عن النقل فإن اقتصر عليه فنقلها إلى ما دونه في الحرز ضمن على الصحيح وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها وإن نقلها إلى بيت مثل الأول لم يضمن إلا أن يتلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه فيضمن لأن التلف حصل بالمخالفة والسرقة من المنقول إليه كالإنهدام قاله البغوي والمتولي وفي كلام الغزالي ما يقتضي إلحاق السرقة والغصب بالموت وكذا صرح به بعضهم وإن نهاه فقال احفظ في هذا البيت ولا تنقلها فإن نقلها من غير ضرورة ضمن لصريح المخالفة من غير حاجة سواء كان المنقول إليه أحرز أو لم يكن قال الاصطخري إن كان أحرز من الأول أو مثله لم يضمن والصحيح الأول وإن نقل لضرورة غارة أو غرق أو حريق أو غلبة لصوص لم يضمن وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها ولا بأس بكونه دون الأول إذا لم يجد أحرز منه ولو ترك النقل والحالة هذه ضمن على الأصح لأن الظاهر أنه أراد بالنهي تحصيل الاحتياط ولو قال لا تنقلها وإن حدثت ضرورة فإن لم ينقلها لم يضمن على الصحيح كما لو قال أتلف مالي فأتلفه لا يضمن وإن نقل لم يضمن على الأصح لأنه قصد الصيانة وحيث قلنا لا يجوز النقل إلا لضرورة فاختلفا في وقوعها فإن عرف هناك ما يدعيه المودع صدق بيمينه وإلا طولب بالبينة فإن لم تكن بينة صدق المالك بيمينه وحكى أبو الفرج الزاز وجها أن ظاهر الحال يغنيه عن اليمين ثم ذكر الأئمة أن جميع هذا فيما إذا كان البيت أو الدار المعينة للمودع أما إذا كان للمالك فليس للمودع إخراجها من ملكه بحال إلا أن تقع ضرورة الصورة الرابعة إذا نقلها من ظرف إلى ظرف كخريطة إلى خريطة وصندوق إلى صندوق فالمتلخص من كلام الأصحاب على اضطرابه أنه إن لم يجر فتح قفل ولا فض ختم ولا خلط ولم يعين المالك ظرفا فلا ضمان لمجرد النقل سواء كانت الصناديق للمودع أو للمالك وإذا كانت للمالك فحصولها في يد المودع قد يكون بجهة كونها وديعة أيضاً إما فارغة وإما مشغولة بالوديعة وقد تكون بجهة العارية وإن جرى شيء من ذلك فالفض والفتح والخلط سبق أنها مضمنة وإن عين ظرفا نظر إن كانت الظروف للمالك فوجهان: أحدهما يضمن وأصحهما لا لأنهما وديعتان وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز والأخرى في آخر فعلى هذا إن نقل إلى ما دون الأول ضمن وإلا فلا وإن كانت الظروف للمودع فهي كالبيوت بلا خلاف الصورة الخامسة قال احفظ وديعتي في هذا البيت ولا تدخل إليها أحدا أو لا تستعن على حفظها بالحارسين فخالف فإن حصل التلف بسبب المخالفة بأن سرقها الذين أدخلهم أو الحارسون ضمن وإن سرق غيرهم أو وقع حريق فلا ضمان الصورة السادسة أودعه خاتما وقال اجعله في خنصرك فجعله في بنصره فهو أحرز لكن لو انكسر لغلظها أو جعله في الأنملة العليا ضمن وإن قال اجعله في البنصر فجعله في الخنصر فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر فالذي فعله أحرز ولا ضمان وإن كان ينتهي إليه ضمن وإن أودعه الخاتم ولم يقل شيئاً فإن جعله في غير الخنصر لم يضمن الا أن غير الخنصر في حق المرأة كالخنصر وإن جعله في الخنصر ففيه احتمالان عن القاضي حسين وغيره أحدهما يضمن لأنه استعمال والثاني إن قصد الحفظ لم يضمن وإن قصد الاستعمال ضمن وفي الرقم للعبادي أنه إن جعل فصه إلى ظهر الكف ضمن وإلا فلا قلت المختار أنه يضمن مطلقا إلا إذا قصد الحفظ و الله أعلم. الصورة السابعة أودعه وقال لا تخبر بها فخالف فسرقها من أخبره أو من أخبره من أخبره ضمن ولو تلفت بسبب آخر لم يضمن وقال العبادي لو سأله رجل فقال هل عندك لفلان وديعة فأخبره ضمن لأن كتمها من حفظها. السبب الثامن التضييع لأن المودع مأمور بحفظها في حرز مثلها بالتحرز عن أسباب التلف فلو أخر إحرازها مع التمكن أو جعلها في مضيعها أو في غير حرز مثلها ضمن ولو جعلها في أحرز من حرز مثلها ثم نقلها إلى حرز مثلها فلا ضمان ثم هنا صور الصورة الأولى إذا أعلم بالوديعة من يصادر المالك ويأخذ أمواله ضمنها بخلاف ما إذا أعلمه غير المودع لأنه لم يلتزم الحفظ ولو أعلم المودع اللصوص بالوديعة فسرقوها إن عين الموضع ضمن وإلا فلا كذا فصله البغوي الصورة الثانية ضيع بالنسيان ضمن على الأصح ويؤيده نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل أنه لو أودعه إناء من قوارير فأخذه المودع بيده ليحرزه في منزله فأصابه شيء من غير فعله فانكسر لم يضمن ولو أصابه بفعله مخطئا أو عامدا قبل أن يصل إلى البيت أو بعدما وصله فهو ضامن والخطأ والنسيان يجريان مجرى واحدا ولأنهم قالوا لو انتفع بوديعة ثم ادعى غلطا وقال ظننته ملكي لا يصدق مع أنه احتمال قريب فدل على أن الغلط لا يدفع الضمانالصورة الثالثة إذا أخذ الظالم الوديعة قهرا فلا ضمان على المودع كما لو سرقت منه وإن أكرهه حتى يسلمها بنفسه فللمالك مطالبة الظالم بالضمان ولا رجوع له إذا غرم وله أيضاً مطالبة المودع على الأصح ثم يرجع على الظالم وهما كالوجهين في أن المكره على إتلاف مال الغير هل يطالب ومهما طالبه الظالم بالوديعة لزمه دفعه بالانكار والإخفاء والإمتناع ما قدر فإن ترك الدفع مع القدرة ضمن وإن أنكر فحلفه جاز له أن يحلف لمصلحة حفظ الوديعة ثم تلزمه الكفارة على المذهب وإن أكرهه على الحلف بطلاق أو عتاق فحاصله التخيير بين الحلف وبين الإعتراف والتسليم فإن اعترف وسلم ضمن على المذهب لأنه فدى زوجته بالوديعة وإن حلف بالطلاق طلقت زوجته السبب التاسع الجحود فإذا قال المودع لا وديعة لأحد عندي إما ابتداء وإما جوابا لسؤال غير المالك فلا ضمان سواء جرى ذلك بحضرة المالك أو في غيبته لأن إخفاءها أبلغ في حفظها وإن طلبها المالك فجحدها فهو خائن ضامن وإن لم يطلبها بل قال لي عندك وديعة فسكت لم يضمن وإن أنكر لم يضمن أيضاً على الأصح لأنه قد يكون في الإخفاء غرض صحيح بخلاف ما بعد الطلب فلو جحد ثم قال كنت غلطت أو نسيت لم يبرأ إلا أن يصدقه المالك فرع من أنكر وديعة ادعيت صدق بيمينه فلو أقام المدعي بينة بالإبداع أو اعترف بها المدعى عليه طولب بها فإن ادعى ردها أو تلفها قبل الجحود أو بعده نظر في صيغة جحوده فإن أنكر أصل الإيداع لم تقبل دعواه الرد لتناقض كلامه وظهور خيانته وأما في دعوى التلف فيصدق لكنه كالغاصب فيضمن وهل يتمكن من تحليف المالك وهل تسمع بينته على ما يدعيه من الرد أو التلف وجهان: أصحهما نعم لاحتمال أنه نسي فصار كمن ادعى وقال لا بينة لي ثم جاء ببينة تسمع فعلى هذا لو قامت بينة بالرد أو الهلاك قبل الجحود سقطت المطالبة وإن قامت بالهلاك بعد الجحود ضمن لخيانته وقد حكينا في ألفاظ المرابحة إذا قال اشتريت بمائة ثم قال بمائة وخمسين أن الأصحاب فرقوا بين أن لا يذكر وجها محتملا في الغلط وبين أن يذكره ولم يتعرضوا لمثله هنا والتسوية بينهما متجهة وإن كانت صيغة جحوده لا يلزمني تسليم شيء إليك أو مالك عندي وديعة أو شيء صدق في دعوى الرد والتلف لأنها لا تناقض كلامه الأول فإن اعترف بأنه كان باقيا يوم الجحود لم يصدق في دعوى الرد إلا ببينة وإن ادعى الهلاك فكالغاصب إذا ادعاه والمذهب أنه يصدق بيمينه ويضمن الحكم الثالث من أحكام الوديعة ردها عند بقائها فإذا كانت الوديعة باقية لزم المودع ردها إذا طلبها المالك وليس المراد أنه يجب عليه مباشرة الرد وتحمل مؤنته بل ذلك على المالك وإنما على المودع رفع اليد والتخلية بين المالك وماله فإن أخر من غير عذر دخلت الوديعة في ضمانه وإن كان هناك عذر يعسر قطعه بأن طالبه في جنح الليل والوديعة في خزانة لا يتأتى فتح بابها في الوقت أو كان مشغولا بصلاة أو قضاء الحاجة أو في حمام أو على طعام فأخر حتى يفرغ أو كان ملازما لغريم يخاف هربه أو كان المطر واقعا والوديعة في البيت فأخر حتى ينقطع ويرجع إلى البيت وما أشبه ذلك فله التأخير قطعاً فلو تلفت الوديعة في تلك الحال فقطع المتولي بأنه لا ضمان لعدم تقصيره وهذا مقتضى كلام البغوي أيضاً ولفظ الغزالي في الوسيط يشعر بتفصيل وهو أنه إن كان التأخير لتعذر الوصول إلى الوديعة فلا ضمان وإن كان لعسر يلحقه أو غرض يفوته ضمن قلت الراجح أنه لا يضمن مطلقا وصرح به كثيرون و الله أعلم. فرع قال المودع لا أرد حتى تشهد أنك قبضتها فهل له ذلك أوجه سبق ذكرها في كتاب الوكالة ووجه رابع أنه إن كان المالك أشهد بالوديعة عند دفعها فله ذلك وإلا فلا. فرع يشترط كون المردود عليه أهلا للقبض فلو حجر عليه بسفه أو كان نائما فوضعها في يده لم يجز. فرع أودعه جماعة مالا وذكر أنه مشترك بينهم ثم جاء بعضهم لم يكن للمودع القسمة ولا تسليم الجميع بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع إليه نصيبه. فرع قال له ردها على فلان وكيلي فطلب الوكيل فلم يرد فهو طلب المالك فلم يرد لكن له التأخير ليشهد المدفوع إليه على القبض لأنه لو أنكر صدق بيمينه وإن لم يطلب الوكيل فإن لم يتمكن من الرد لم تصر مضمونة وإلا فوجهان لأنه لما أمره بالدفع إلى وكيله عزله فيصير ما في يده كالأمانة الشرعية مثل الثوب تطيره الريح إلى داره وفيها وجهان: أحدهما تمتد إلى المطالبة وأصحهما تنتهي بالتمكن من الرد قال ابن كج ويجري الوجهان فيمن وجد ضالة وهو يعرف مالكها وذكر إمام الحرمين في الأساليب أنه لو قال رد الوديعة على من قدرت عليه من وكلائي هؤلاء ولا تؤخر فقدر على الرد على بعضهم وأخر ليرد على غيره فهو ضامن عاص بالتأخير وأنه لو لم يقل ولا تؤخر يضمن بالتأخير وفي العصيان وجهان وإنه لو قال ردها على من شئت منهم فلم يرد على واحد ليرد على آخر لا يعصي وفي الضمان وجهان. فرع هل يجب على المودع الإشهاد عند الدفع إلى الوكيل وجهان جاريان فيما لو دفع إليه مالا ابتداء وأمره بإيداعه أصحهما عند البغوي يجب كما لو أمره بقضاء دينه يلزمه الإشهاد وأصحهما عند الغزالي لا لأن قول المودع مقبول في الرد والتلف فلا يغني الإشهاد لأن الودائع حقها الإخفاء بخلاف قضاء الدين فإذا قلنا يجب فالحكم كما ذكرناه في كتاب الوكالة أنه إن دفع في غيبة الموكل من غير إشهاد ضمن وإن دفع بحضرته لم يضمن على الأصح فصل طالبه المالك بردها فادعى التلف بسبب خفي كالسرقة صدق بيمينه وإن ادعاه بسبب ظاهر كالحريق والغارة والسيل فإن لم يعرف ما ادعاه بتلك البقعة لم يقبل قوله في الهلاك به وإن عرف بالمشاهدة أو الاستفاضة نظر إن عرف عمومه صدق بلا يمين وإن لم يعرف عمومه واحتمل أنه لم يصب الوديعة صدق باليمين وإن لم يذكر سبب التلف صدق بيمينه ولا يكلف بيان سببه وإذا نكل المودع عن اليمين حلف المالك على نفي العلم بالتلف واستحق وعد المتولي موت الحيوان والغصب من الأسباب الظاهرة وفي التهذيب إلحاق الغصب والسرقة وهو الأقرب.
|